تطعيم الـ MMR يُسبب مرض التَّوحُّد
الإجابة:
في سنة 1998 نُشِر في مجلة علميَّة مرموقة مقال يربط بين ظاهرة التّوحّد وبين تطعيم MMR.
المؤلّف الرَّئيسي، ويكفيلد، كان جرَّاحًا قد انخرط في البحث.
لقد تركّز في البحث حول مرض التهابي مزمن يصيب الأمعاء(Inflammatory Bowel Disease- IBD)، في مُحاولة للرَّبط بين المرض وفيروس الحصبة بشكل عام، والتَّطعيم بشكل خاص.
شمل المقال 12 طفلاً، نموا، وفقًا لأقوال الأبوين، بشكل طبيعي ثُمّ مروا في انحدار سلوكي، وبالإضافة لذلك، عانوا من أعراض في الجهاز الهضمي، مثل IBD.
في ثمانٍ من الحالات، ربط الوالدان زمنيًّا بين الإنحدار السّلوكي لدى الأطفال وبين تلقي تطعيم MMR .
لم تكن علاقة زمنيَّة بين ظهور أعراض الجهاز الهضمي لدى الأطفال وبين تلقِّي التَّطعيم.
لجميع الإثني عشر طفلاً وجدت أمراض معويَّة، تعامل المؤلّفون معها على أنها مميَّزة، لعمليّة التهاب في الأمعاء الغليظة وتضخّم في الغدة الليمفاويّة حول الأمعاء الدَّقيقة.
بالإضافة إلى ذلك (كما لو) وجدت قيمة الهيموغلوبين والمُضادَّات مُنخفضة لدى قسم من الأطفال.
لقد طرح المؤلّفون فرضيَّة وجود متلازمة جديدة، “autistic enterocolitis”، وقاموا بربط الإضطرابات السّلوكيَّة مع الظّواهر في الجهاز الهضمي وبتطعيم الـ MMR .
منذ ظهوره تعرّض المقال إلى نقد كبير مِن قِبَل باحثين آخرين حول طبيعته العلميَّة:
الظّواهر التي كما لو كانت مميّزة، والتي وُجِدَت في أمعاء الأطفال، هي في الواقع مُتغيِّر طبيعيّ،
القيم المرجعيَّة للمُضادَّات لم تكن مُلاءَمة للجيل (بحيث أنها كانت في الواقع سليمة) وما شابه ذلك.
ومن المهم التأكيد على أن المقال نفسه ينصّ صراحة (أنظر أعلاه) على أنّه لم يثبت وجود علاقة بين التّطعيم وبين الأعراض المذكورة.
ولكن بخلاف ما ورد في المقال، فإن ويكفيلد خرج بتصريحات رسميَّة للصَّحافة، في وسائل الاعلام المطبوعة والالكترونيَّة، يربط فيها بين مرض التّوحد وتطعيمات الـ MMR، ودعا إلى تأجيل إعطاء التّطعيمات وتقسيمه على فترات تبلغ سنة.
فيما بعد صدر مقالان، تم فيهما عزل فيروس الحصبة عن خلايا الدّم البيضاء وعن أمعاء الأطفال ولكن لم يثبت أن المقصود هو سلالة اللقاح.
الإدّعاء دُحِض بواسطة عمل نُشِر سنة 2006 لم يتمكّنوا فيه من عزل فيروس الحصبة عن الكريات البيضاء لدى الأطفال المتوحّدين الذين تلقَّوا تطعيم الـ MMR.
في المُقابِل، بدأت بالظهور دراسات وبائيّة كُبرى، قامت بفحص العلاقة بين مرض التَّوحّد وبين تطعيم الـ MMR:
أبحاث تايلور ورفاقه من بريطانيا، في سنة 1999،حول مجموعة تتألّف من حوالي 500 طفل يُعانون من مرض التَّوحّد، مع أنواع فرعيّة مختلفة من هذا المرض. أوضحت الدراسة أن هناك زيادة مستمرة في تشخيص مرض التوحد، ولكن معدل الزيادة في حالات تشخيص مرض التوحد لم يتغير بعد إدراج اللقاح في عام 1988 كما كان ينبغي أن يكون إذا ما كانت هناك علاقة بين اللقاح والمرض.
كذلك، لم تكن هناك علاقة بين إعطاء التَّطعيم وبين ظهور الانحدار السّلوكي.
مقال بريطاني إضافي ( Chen et al. Psichol med. 2004)، نُشِرَ في العام 2004، وتطرَّق إلى الفترة بين 1959 إلى 1993، شمل معلومات عن 2407 أطفال يُعانون من مرض التّوحد، وأظهر نتائج مُشابهة- لا يوجد تغيير في مُعدَّل ازدياد تشخيص حالات التَّوحُّد بعد إدراج التَّطعيم في 1988.
المقالات من المملكة المتحدة وكاليفورنيا أظهرت زيادة في حالات الإصابة بالتوحد على الرغم من أن نسبة التغطية اللقاحيّة لم تتغير.
في بحث أُجري في كندا، أظهر تتبُّع حالات التوحد زيادة من1987إلى 1998، على الرغم من أن التغطية اللقاحيّة انخفضت.
علاوة على ذلك، أظهر بحثٌ يابانيّ أنه رغم الانقطاع التَّام عن إعطاء تطعيم الـ MMR في سنة 1993، إلا أن حالات الإصابة بالتّوحد كانت في ازدياد.
في دراسة دامغة أُجريت في الدّنمارك، تمّ فحص بيانات حول نصف مليون طفل في الدّنمارك، من بينهم مائة ألف لم يتلقَّوا تطعيم الـ MMR وتبيّن عدم وجود علاقة بين التَّطعيم ومرض التَّوحُّد والأمراض المُشابهة ( (Madsen et al. NEJM 2002).
في بحث كبير آخر، تم تنفيذه بواسطة المركز الأمريكي لمُكافحة الأمراض (CDC ) لم يتبيّن وجود علاقة بين MMR ومرض التَّوحُّد:
لقد قارنت الدّراسة بين 624 طفلاً يُعانون من مرض التَّوحُّد من منطقة أتلانتا و 1824 طفلاً سليمًا، وفحصت الجيل الذي تمّ فيه إعطاء وجبة الـ MMR الأولى: توزيع الأجيال التي تلقَّى فيها الأطفال الذين يُعانون من التّوحّد وجبة الـ MMR كان مُماثِلاً للمجموعة الضّابطة (مجموعة الأطفال الأصِحَّاء)
(Destefano et al., pediatrics 2004)
للإجمال، جميع الدِّراسات التي نُشِرَت بعد ذلك المقال شملت أدلّة مناهضة للفرضيَّة التي تربط بين تطعيم الـ MMR وبين مرض التَّوحُّد.
لا توجد علاقة وبائيَّة بين تطعيم الـ MMR ومرض التَّوحُّد، بما في ذلك النوع الفرعي الإنكفائي، وليس هناك أي دليل مُختَبَري يدعم هذه النظرية.
ولكن بالرغم من كل ذلك، يوجد خوف حقيقي من التّطعيم ونسبة التّطعيم في المملكة المتّحدة انخفض من أكثر من %90 إلى نحو %80.
في السّنوات الأخيرة كشف تحقيق صحفي أن البحث أُجرِيَ بشكل مثير للضّجة:
على عكس ما قيل في هذا المقال، لم يكن هناك أي حديث عن أطفال تمّت إحالتُهم بسبب أعراض شبيهة بـ IBD، بل عن مجموعة أطفال اعتقد آباؤهم أنهم أُصيبوا من تطعيم الـ MMR وتمّ تمثيلهم بواسطة مُحامين، لغرض تقديم دعاوى ضد شركات الأدوية.
شركة المُحامين دفعت لويكفيلد أكثر من 400000 جنيه من أجل أن يقوم بإجراء البحث ويُثبت وجود علاقة بين التّطعيم ومرض التَّوحُّد، وهي دُفعة لم يُصرِّح عنها.
الأعراض ذات العلاقة بالجهاز الهضمي، والتي كما لو بسببها تمّت إحالتهم، كانت في الأساس عبارة عن إمساك، وهو كثيرًا ما يظهر لدى الأطفال الذين يُعانون من إضطراب في السّلوك ولا يُشير إلى IBD .
لقسم من الأهالي تم دفع مبلغ من أجل أن يُشاركوا في البحث.
تم في البحث إجراء فحوصات اقتحاميّة للأطفال، مثل، تنظير القولون، خزعات معويَّة، البزل القُطني بدون أن يكون لذلك تبرير طبّيّ من ناحية التَّاريخ الطِّبِّي، أو الأعراض، بدون التّوقيع على استمارة موافقة، ودون الحصول على موافقة من لجنة الأخلاقيات في المستشفى.
10 من بين مُؤلِّفي المقال تنصَّلوا من التّفسير الذي منحه ويكفيلد للنتائج.
في نهاية كانون الثّاني 2010 أقرّ المجلس الطّبي القومي البريطاني(General Medical Council) أن الباحث الرَّئيسي في الدراسة، د. أندرو ويكفيلد، تصرف بالفعل بشكل احتيالي، في انتهاك صارخ لجميع آداب المهنة وتعريض مرضاه للخطر ولفحوصات اقتحاميَّة لا حاجة لها ولا تحمل تصنيفًا طبيًّا.
على ضوء هذه النَّتائج، وفي تاريخ 22 شباط 2010، و في خطوة غير عادية ونادرة، محت المجلة الطبيَّة المرموقة Lancet مقال ويكفيلد من أرشيف منشوراتها. معنى ذلك ان هذه الدراسة لن تُعتبر جُزءًا من الكتابات العلميَّة.
روابط:
تقرير عن قرار المجلس الطبي الوطني البريطاني
قرار مُحَرِّري مجلة لانسيت
في 10 آذار 2010 أصدرت المحكمة الفيدراليَّة في الولايات المُتَّحِدَة قرارها حول دعوى تعويضات تقدّمت بها مجموعة من الأهالي طالبوا بتعويضات بدعوى أن مرض التّوحُّد الذي يعاني منه أبناؤهم كأنّما هو نتيجة لتلقِّي التَّطعيمات.
نظرت المحكمة بعمق في 3 حالات نموذجيَّة وأقرَّت انها لم تجد علاقة منطقيَّة أو علاقة سبب ونتيجة بين إعطاء التَّطعيمات وبين ظهور مرض التوحد لدى الأطفال، وعليه، قامت برفض الدَّعوى.
قرار المحكمة الفدراليَّة في الولايات المتّحدة هو بمثابة ختم قانوني لما تم إثباته من قَبل بالأدوات العلميَّة: لا توجد صلة بين اللقاحات ومرض التوحّد. بذلك، اتُّخِذَت خطوة هامَّة أخرى لإزالة السّحابة التي طغت على تطعيمات الطّفولة. إن مُحاولة الرَّبط بين التَّطعيمات ومرض التَّوحُّد أدى إلى أضرار صحيَّة كبيرة على الأطفال في أرجاء العالم بسبب الانخفاض في نسبة تلقِّي التَّطعيمات. أهدر الوقت والطاقة والموارد على نظرية فاشلة ولا أساس لها، وحان الوقت للمضيّ قُدمًا، لبذل الجهد والمعرفة من أجل فحص الأسباب الحقيقيَّة لمرض التَّوحُّد. هذا القرار هو بُشرى جيِّدَة ومُريحة للكثير من الأهالي المُترَدِّدين الذين تعرضوا لمعلومات مُضلِّلَة وخاطئة في وسائل الإعلام المطبوعة والألكترونيَّة حول العلاقة بين التَّطعيمات ومرض التَّوحُّد.
روابط:
تقرير عن قرار المحكمة
البروتوكول الكامل لقرار المحكمة الفيدراليَّة
الأحكام القضائيَّة المُختلفة بشأن القضيَّة
References
1. Taylor, B. et al.. Lancet. 1999;353:2026-9
2. Chen et al. Psychol Med. 2004;34:543-53.
3. Hornig M, et al, PLoS ONE. 2008;3:e3140.
4. Madsen, KM.,. NEJM 2002;347:1477-82.